خلال العقد الأخير أصبحت افريقيا الغنية بالفرص الاستثمارية ساحة للصراع الاقتصادي، خاصة بين أكبر اقتصادين في العالم، الولايات المتحدة الأميركية والصين، حتى ان واشنطن زادت من تحركاتها واتفاقياتها الاستثمارية مع بلدان القارة مؤخرا بعد ان تسببت بكين في خسارتها لاكثر من 40% من حجم استثماراتها على مدى العشرين عاما الاخيرة.
ونجحت الصين في تطبيق منطق الإزاحة على عدوتها اللدودة أمريكا بفضل سياستها الاقتصادية التي تعتمد على الاستثمار في البنية التحتية والخدمية وفي الزراعة واستصلاح الأراضي في افريقيا .
لذلك لم يكن مستغربًا ان تصبح بكين سريعا هي الشريك التجاري الأول لأفريقيا بعدما حافظت على هذه المرتبة على امتداد الـ12 سنة الأخيرة، ولم تتأثر بالأزمات الاقتصادية التي شهدتها القارة السمراء وبخاصة آخرها انتشار وباء كورونا، بل استثمرت الصين في هذه الأزمة وتحولت إلى أول دائن لأفريقيا، كما أحكمت قبضتها على البلدان التي تعاني من انعكاسات تحويل الموارد المالية إلى حملات التلقيح والخدمات الصحية. إضافة إلى تنامي التجارة الثنائية وحجم الاستثمارات، مما دفع بالاتحاد الأوروبي إلى تحفيز مؤسساته للعودة إلى القارة السمراء التي غزاها العملاق الآسيوي الا انه لم يستطيع ان يحقق اى نتائج مرجوة من تلك الخطوة.
وبلغت قيمة التجارة الثنائية بين الصين وأفريقيا، 187 مليار دولار في عام 2020، ثم سجلت نمواً قوياً، حيث ارتفع حجم التجارة بنسبة 40.5 في المئة ليصل إلى 139.1 مليار دولار في الأشهر السبعة الأولى من عام 2021، وهو رقم قياسي، على أساس سنوي. وازداد توسع الاستثمار الصيني في أفريقيا على الرغم من التراجع في الاقتصاد والتجارة العالميين، الناتج عن انتشار جائحة "كوفيد-19". وبلغ الاستثمار الصيني في أفريقيا 2.96 مليار دولار في عام 2020، بزيادة 9.5 في المئة على أساس سنوي وبلغ الاستثمار المباشر غير المالي 2.66 مليار دولار.
كما ارتفع الاستثمار في الخدمات ضمن القطاعات الفرعية مثل البحث العلمي وخدمات التكنولوجيا والنقل والتخزين وخدمات البريد، بأكثر من الضعفين.
وفي الأشهر السبعة الأولى من عام 2021، بلغ الاستثمار الصيني المباشر في أفريقيا 2.07 مليار دولار. وتم إنشاء 25 منطقة صينية للتعاون الاقتصادي والتجاري في 16 دولة أفريقية، وجذبت هذه المناطق 623 شركة باستثمارات إجمالية قدرها 7.35 مليار دولار، خلقت أكثر من 46 ألف فرصة عمل للدول الأفريقية. ووصلت القيمة التعاقدية لمشاريع البنية التحتية الصينية إلى 67.9 مليار دولار.امام الساحل الشرقي للقارة والذي يعد الجزء البحري من طريق الحرير ومن ثم الانطلاق إلى بلدان افريقية أخرى، فقد استحوذ علي اهتمام صيني خاص، وباتت الاستثمارات في البنية التحتية هناك لها الأولوية القصوى بما يخدم فكرة طريق الحرير.
الان اصبحت الصين الآن اكبر شريك اقتصادي للقارة الإفريقية والمستحوذة على مواردها النفطية وثرواتها المعدنية لصالح دفع نموها الاقتصادي، هذا الاهتمام المعلن هو ما سبق وتعهد به الرئيس الصيني شي جين بنغ خلال سبتمبر عام 2018 بخصوص بناء وتطوير مناطق صناعية والعمل علي رفع الشراكة التعاونية الإستراتيجية الشاملة بين الجانبين إلى مستوى عال، وبتقديم الدعم المالي من خلال قروض عبر صندوق الصين - إفريقيا للتعاون الصناعي.
هذا الصندوق يهدف بجانب هدفه المعلن تهديد واضح لمصالح أمريكا في إفريقيا لأنه سيقوض من سياستها في العديد من المجالات سواء في التصدير أو حتى في جهود مكافحة الإرهاب، حيث قد تفضل دول إفريقية تقليل التعاون مع أمريكا عسكريا في المستقبل أيضا، ناهيك إلى تخوف الدول الغربية من الهيمنة الاقتصادية الصينية على إفريقيا بعد أن كانت فيما سبق أهم شريك تجاري بالقارة السمراء. لهذا توقعت وكالة ماكنزي الأمريكية أن تصل قيمة الأرباح المالية التي يمكن أن تجنيها الصين من إفريقيا بحلول عام 2025 إلى 440 مليار دولار، أي بزيادة قدرها 144 في المائة.
ومن خلال تلك الأرقام الاستثمارية الكبيرة المعلنة لصالح الصين على حساب الدول الإفريقية الفقيرة يتوقع المتابعون والمحللون مدى إحكام السيطرة الناعمة لدولة الصين الشعبية على القارة الإفريقية خلال العقود القليلة المقبلة بفضل حجم استثماراتها الكبيرة وحجم قروضها الممنوحة لعدد متنامٍ من الدول الإفريقية بما فيها الدول الإفريقية جنوب الصحراء بمواردها الطبيعية الغنية.
وتعتبر القارة الإفريقية عامرة بالمواد الأولية الهامة كاليورانيوم والحديد والزنك والكوبالت والنحاس والذهب وغيرها حيث كانت الصين من أوائل الدول التي سعت إلى التخطيط لنيل نصيبها من هذه الثروات الطبيعية واحتكارها لتزويد مصانعها بها ومن ثم احتكار الصناعات بالعالم وهو الأمر الذي أزعج وأقلق أمريكا وأوروبا ما أدى إلى نشوب حرب باردة بين الصين من جهة والولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية من جهة أخرى بسبب توحشها الاقتصادي في إفريقيا والقارات الأخرى.
ما يحدث على القارة من صراعات سببه الأول هو فراغ القوة الذى نشأ نتيجة غياب التنسيق الحقيقي بين دول القاره والتي كان يفترض أن تكون الدول العربية جغرافيا وتاريخيا هي المنوطة والجديرة بهذا الاستثمار لأهميته ولتجنبها مستقبلا مخاطر وتداعايتت تدخل اى قوة أخرى وتأثيراتها السلبية، وهو ما يستدعي ايجاد التعاون العربي الإفريقي بشكل مؤثر وحقيقي، ووجود منظمة اقتصادية عربية قوية لمنافسة القوى الاقتصادية الكبرى لتحقق التكامل العربي الافريقي على الأقل اقتصاديا مستغلين الاحداث العالمية المتغيرة والاتجاه الي خلق عالم متعدد الأقطاب .